لقـــــــــــــــــــــــــــــــــــاء
وصل إلى المقهى نصف ساعة قبل الموعد المحدد. كان المقهى شبه فارغ, جلس إلى طاولة أنيقة دائرية الشكل على وجهها الزجاجي الصقيل مزهرية صغيرة في أحشائها وردة حمراء يتيمة, تأملالفضاء الداخلي الذي بدأ يغص بالزبناء, كل شيء فيه جميل وأنيق.
لم يكن من رواد هذا المقهى الفخم الذي يقع في قلب العاصمة, فهو غالبا ماكان يرتاد ذلك المقهى المتواضع القريب من محل سكناه.
جاءه النادل ينط في رشاقة. سأله إن كان يحتاج إلى طلبات, أخبره أنه ينتظر صديقا ولا يريد أن يتناول أي شيء إلا عند حضوره. لم يعترض النادل, أومأ برأسه مبتسما إعرابا عن تفهمه, ثم إنقلب على عاقبيه عائدا من حيث أتى.
حاول تزجية الوقت بقراءة عناوين الجريدة التي إقتناها وهو في طريقه إلى المقهى, لكن فلتان ذهنه من عقاله منعه من أن يستوعب ما يقع عليه نظره من حروف و جمل. كانت عيناه مفتوحتين لكنهما معطلتان, تريان ولا تبصران.
خلف إنزياح معالم الحاضر وإنزلاق الفكر نحو سفوح الماضي, تراءت له تلك الصور المؤثتة للبدايات, رآها تفرض نفسها عليه و تنسل بين تلافيق دماغه كثعبان أقرط, وجد نفسه يتساءل هل يعقل ما يحدث له؟ هل يعقل أن يعلو خفقان قلبه مرة أخرى لحب جديد؟ بعدما ظن أن فؤاده قد أوصد أبوابه, وضبط إيقاع نبضاته على حب زوجته التي لم يمضي على عقد قرانه بها سوى عامين إثنين. مثول زوجته على شاشة فكره, وإحساس الخيانة الآثم شعر به يخترق لحمة ضميره كخازق من لهب. بدل جهدا غير هين في مراوغة ذلك الإحساس الأليم,مستنجدا بفرحة الإنتظار الأولى لإمرأة وجد نفسه يقع في شراك هواها, من غير أن يعرف لها لا شكل ولا لون ولا عنوان, كل مايعرف عنها صورة نسجتها بنات أفكاره من خلال تلك الدردشة الطويلة التي كانت تستمر بينهما لساعات مديدة عبر شاشة الكومبيوتر و رسول الإنترنت.
عاد إلى بساط الواقع بعد جولة في عوالم أحلام وردية, نظر إلى ميناء ساعته, كان العقربان تابثين لا يتحركان كأنهما يمنعان من أن تترقق هنيهاته في نهر الزمن السرمدي, تساءل هل حقا ستأتي؟ لقد أكدت له, بعد تمنع شديد إستغرب له, إنها ستأتي. لكن لثواني معدودة فقط ثم تنصرف, لابأس قال في نفسه: سأراها هذا هو المهم, بعدها سأدعوها على مشروب, سترفض هذا دأبهنلكنني سأصر, بداواخلي جبال من الإصرار لن تستطيع هدها.
إبتسم وهو يتذكر جوابها حين سألها: كيف سأعرفك؟ كتبت وأنا كيف سأعرفك؟ وصف لها نوع اللباس الذي سيرتديه, كتبت:
سأعرفك ولن أحتاج إلى من سيدلني عليك
سأنشرح وسط الزبائن ولن تميزيني من بينهم
إفعل و سترى أن حدس المرأة لا يخطئ أبدا.
قبل أن تعلن الساعة عن حلول الموعد بدقائق معدودة, قرر أن يلعب لعبة الإختفاء ليرى هل ستتعرف عليه. بسرعة إنتقل إلى طاولة تتوسط الزبائن, وهو يدير ظهره إلى الشارع لمح طيف إمرأة بنفس مواصفات ثيابها قادما من بعيد, شعر بها تقف على عتبة باب المقهى, بدأ نبض قلبه يرتفع, لا شك أنها تبحث عنه. تريد أن تضبطه حتى لا تخسر التحدي, وقع خطواتها سمعه وهو يشدو من بعيد, يقترب منه رويدا رويدا إلى أن أحس بها تقف خلف ظهره, وقبل أن يستدير نحوها, سمع صوتا أنثويا يقول:
ألم أقل لك أن حدس المرأة لا يخطئ؟
ذهل و هو يسمع الصوت, و صعق أكثر و هو يرى صاحبته, إذ لم تكن المرأة الماثلة أمامه سوى السيدة زوجته
إنتهى %
منقووول